1- حكم يصدر فى إطار المركز الإقليمى للتحكيم بالقاهرة وهو الحكم الصادر فى 7 يوليو سنة 1985 بالقاهرة فى النزاع بين شركة نمساوية ووزير الزراعة المصرى.ويتعلق النزاع باتفاق مقاولة مبرم فى 27 مايو سنة 1982 بين الشركة ووزير الزراعة ، مؤادة قيام الشركة بعمليات رش القطن بالطائرات لمواسم سنة 1984،1983،1982 .وأثناء قيام أحد طيارى الشركة فى 9 سبتمبر سنة 1983 من مطار أسيوط ،فوجىء بسيارة بها مدير زراعة أسيوط تقطع ممر المطار بالعرض ، فحاول تفادى الحادث بالتخلص من حمولة الطائرة من المبيدات فأدى ذلك لصعود الطائرة بحدة ثم سقوطها فى حقل على يسار المهبط ، وتحطمت بالكامل وأصيب الطيار . فطالبت الشركة وزير الزراعة بالتعويض ، بسبب خطأ تابعى الوزراة الذى أحدث الأضرار المادية التى لحقت بالشركة ، وتتمثل فى تحطيم الطائرة ، وفيما فاتها من كسب بسبب حرمانها من استغلال الطائر ة فى عمليات الرش عن المدة من 9/9/1985 حتى 25/9/1985 وهو تاريخ انتهاء العقد ، وفيما فاتها من كسب لعدم استغلال الطائرة فى الرش بجمهورية السودان وفقاً لعقد مبرم فى 20يوليو سنة 1983 .
وأسندت فى ذلك إلى أن وزارة الزراعة قد أخلت – بخطأ تابعيها – بإلتزام تعاقدى هو مسئوليتها عن تأمين سلامة مهبط الطائرة ضد دخول الأفراد والعربات .وقد دفع وزير الزراعة بأن الوزارة ليست مسئولة عن تأمين سلامة المهبط ضد دخول الأفراد والمركبات وفقاً لعقد المقاولة ، وإنما تلتزم فحسب بتحذير الأهالى بالابتعاد أثناء عمليات الرش الجوى للحق وأن الشركة هى التى أخطأت ؛ إذ لم يتأكد الطيار من خلو الممر من العوائق عند سيره بالطائرة على الممر ، كما أن الشركة سمحت للطائرة بالطيران رغم عدم ملاءمة الأحوال الجوية يوم الحادث لإجراء عمليات الرش ولأسباب أخرى أدت لوقوع الحادث .ولما كان طرفا العقد قد اتفقا على حل منازعتهما وفقاً لقواعد مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم . وفوض الطرفان مدير المركز فى تعيين محكم فرد . وفعلاً قرر فى 9/9/1984 تعيين د . فتحى عبد الصبور محكماً وحيداً فى الدعوى . الذى طبق على إجراءات التحكيم القواعد التى يطبقها المركز UNCITRAL. ولما اطلع المحكم بتحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع قرر أنه :” متروك – كقاعدة عامة – لإرادة الطرفين ، وفى حالة عدم النص فى العقد محل النزاع على تحديد هذا القانون . يجوز الاتفاق فى تاريخ لاحق على تطبيق القانون المصرى أو أى قانون آخر ، كما نصت المادة 33/1. من قواعد التحكيم التى وضعتها لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولى على أن تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القانون الذى يعينه الطرفان وإذا لم يتفقا على تعيين هذا القانون ، وجب أن تطبق هيئة التحكيم القانون الذى تعينه قواعد تنازع القوانين التى ترى الهيئة أنها واجبة التطبيق فى الدعوى .
وإذا كان من الثابت من عقد المقاولة محل التداعى أنه لم يتضمن اتفاق الطرفين على تطبيق قانون معين ، وكانت قواعد تنازع القوانين تقضى فى هذه الحالة بتطبيق قانون الدولة التى أبرم فيها العقد بين الطرفين المتنازعين مختلفى الموطن بالنسبة للالتزامات التعاقدية وبتطبيق قانون البلد الذى وقع فيه الفعل المنشىء للالتزام بالنسبة للالتزامات غير العقدية وهى القواعد التى تبنتها المادتان 19/1، 21/1 من القانون المدنى المصرى . لما كان ذلك ، وكان الثابت من واقع الدعوى أن العقد محل التداعى بين الطرفين قد أبرم فى القاهرة ، وأن حادث تحطم الطائرة المملوكة للشركة المدعية موضوع هذه الدعوى قد وقع بمصر ، فإن القانون المصرى يكون هو القانون الذى يحكم النزاع الماثل فى هذه الدعوى .وانتهى حكم التحكيم إلى تقرير مسئولية وزارة الزراعة عن تعويض الضرر المادى الذى لحق بالطائرة باعتبار أن خطأها كان هو المنتج والمؤثر فى إحداث الضرر ، وعدم مسئوليتها عن تعويض الشركة عما فاتها من كسب سواء فى مصر أو فى السودان باعتباره ضرراً غير متوقع .
2- الحكم الصادر فى النزاع بين شركة يونانية ووسيط إيرانى
ويتعلق بنزاع بين شركة يونانية ووسيط إيرانى بشأن اتفاق أبرم بينهما ويلزم الطرف الإيرانى بمساعدة الشركة اليونانية فى الحصول على عقود توريد تبرم مع الحكومة الإيرانية ، وتلتزم الشركة اليونانية فى مقابل ذلك بمنحة عمولة 2% على الأقل لكل عقد يتم إبرامه .وقد حصلت الشركة فعلاً بناء على هذا العقد على عدد من العقود مع الجهات الإدارية الإيرانية ، حتى أدت ثورة سنة1979 الإيرانية إلى إنتهاء نشاط الشركة اليونانية مما سبب لها خسائر كبيرة فلم تدفع للوسيط الإيرانى إلا جزءاً من العمولة المتفق عليها بما يتناسب مع ما حصلت عليه من الدولة الإيرانية .ولما كان العقد المبرم بين الطرفين يقضى بحل المنازعات المحتمل إثارتها بالتحكيم وفقاً لغرفة التجارة الدولية ، فلجأ الوسيط الإيرانى للتحكيم لطلب التعويض ، وعين محكم نمساوى لحل هذا النزاع على أن يكون محل التحكيم فى باريس . ولما اطلع المحكم بتحديد القانون واجب التطبيق فى هذا النزاع ، لاحظ غموض العقد ، إذ هو محرر من نسختين أحداهما بالفرنسية والأخرى بالإنجليزية ، فالنسخة الفرنسية لا تتضمن أية إشارة للقانون واجب التطبيق بينما النسخة الإنجليزية تشير إلى تطبيق القانون الفرنسى ، ولكن دون تحديد مجال انطباقه ، وهل يتعلق بالإجراءات أم بموضوع النزاع . لذا استعرض المحكم ظروف القضية ، فبالنسبة للقانون الإيرانى الصلة به قوية ، إذ أبرم العقد فى طهران ، كما أن المدعى ( الوسيط الإيرانى ) يمارس نشاطه مع عملائه بإيران ، وعمولته يتعين دفعها بإيران .والقانون اليونانى الصلة به ضعيفة ، إذ هى بلد جنسية وموطنه المدعى عليه. والقانون الفرنسى الصلة به ضعيفة إذ حررت إحدى نسخه بالفرنسية ، وكذلك مقر محكمة التحكيم التى اختيرت لحل النزاع .ولكن اختيار باريس مقر التحكيم لم ينبع من أية إرادة للأطراف .والقانون النمساوى الصلة به منعدمة من الناحية العملية فاختيار محكم نمساوى تم وفقاً لنظام تحكيم غرف التجارة الدولية ، ولا يعتبر عن أى قصد للأطراف .وكذلك الأمر بالنسبة للقانون الإنجليزى الذى تنعدم الصلة به فعلياً فتحرير إحدى نسخ العقد ، ليس إلا نتيجة ؛ لأن هذه اللغة عالمية الاستخدام . وبعد قيام المحكم بدارسة القضية وفقاً للقواعد الموضوعية فى القانونين الفرنسى والإيرانى انتهى إلى إبعاد النزاع عن أى قانون وطنى وطبق ما أسماه بخلقيات المعاملات الدولية وانتهى من ذلك إلى عدم إجابة المدعى الإيرانى لطلب التعويض وألزمه بمصاريف الدعوى .
3- الحكم الصادر فى النزاع بين تاجر بلجيكى ، وشركة سجاد باكستانية
وهى القضية التى سبق استعراضها بشأن التاجر البلجيكى الذى اتفق مع شركة باكستانية على ترويج ما تنتجه من سجاد شرقى فى بلجيكا مقابل عمولة مقدارها 5% .فحينما تعرض المحكم لبحث موضوع القانون واجب التطبيق على هذا النزاع ، تمسك التاجر البلجيكى بطلب تطبيق القانون البلجيكى على موضوع النزاع .إلا أن المحكم قرر أن القانون الباكستانى أولى بالانطباق ، نظراً لوجود روابط عدة تربطه بموضوع النزاع ، فمن ناحية يتعلق النزاع بإتفاق أبرم فى باكستان ، أثناء وجود التاجر البلجيكى فى مقر الشركة ، حيث يتم تصنيع السجاد ، كما يتم شحن السجاد موضوع التعاقد من باكستان . مما يدل على أن القانون الباكستانى يرتبط بالموضوع بأوثق صلة من أى قانون آخر .ويراعى أن المحكم يميل إلى تطبيق القانون الباكستانى لإعتبار مهم وهو شدة مشابهته للقانون الإنجليزى فى مجال العقود ، مع مراعاة أن المحكم إنجليزى الجنسية .وقد واجهت المحكم مشكلة أخرى تعلق بتقدير التعويض الذى يقضى به نتيجة التجاء الشركة الباكستانية للتهرب من المثول أمام المحكم ، و المنازعة فى اختصاصه والالتجاء للقضاء الباكستانى ، فلم تقدم أية سندات ، والعمولة المستحقة للتاجر البلجيكى تحتاج فى تحديدها إلى حصر الصفقات التى عقدتها الشركة الباكستانية مع أطراف بلجيكيين ، وهو ما يجتاج إلى تقييم الأوراق والمستندات المثبتة لمعاملات الشركة .لذلك طلب الدفاع عن التاجر البلجيكى من المحكم أن يقوم بتقدير العمولة على أساس قواعد العدالة و الانصاف . إلا أن المحكم رفض هذا الطلب على أساس أنه لا يملك سلطة الحكم طبقاً لقواعد العدالة ، لأن هذا الأمر يجتاج إلى تفويض صادر إليه من الطرفين وهو ما لم يتم .ويبدو وجه الصعوبة فى هذه القضية فى عدم وجود تحديد دقيق للدين ، و لا وسيلة لتحديده ، نظراً الرفض الشركة تقديم المستندات اللازمة لإثباته ، فلا مفر بالتالى من قيام المحكم بتقديره فيما توفر لديه من أوراق ، كما يجتاج الأمر إلى تحديد القانون واجب التطبيق على الدين ، وقد كيف المحكم تقدير التعويض وفقاً للقانون الإنجليزى باعتباره مسألة إجرائية ، والإجراءات تخضع لقانون مكان التحكيم ، والتحكيم يتم فى لندن ، وبالتالى فقد أخضع تقدير التعويض للقانون الإنجليزى .و وفقاً للسوابق القضائية التى يعتد بها فى هذا القانون ، و التى ساقها المحكم عن تقدير التعويض فى القانون الإنجليزى ، يتعين أن يمنح التاجر البلجيكى باعتباره وكيلاً للشركة تعويضاً يقدر على أساس مراعاة الظروف المحيطة بالتعاقد من كل النواحى تقديراً عادلاً ، لذا فقد استعان المحكم بالصفقات التى سبق أن تعاقدت عليها الشركة ، لتقدير الصفقات التى كانت موضوعاً لهذا العقد .وقد حدد المحكم هذا التعويض طبقاً لتقديره لهذه الظروف بمبلغ ثلاثين ألف دولار يضاف إليها الفوائد بواقع 10% ،مع إعتبار أن المدة التى تحسب عنها الفوائد حسب الفصل 19/أ من قانون التحكيم الإنجليزى الانجليزى الصادر عام 1950 ، هى الفترة من بدء التحكيم حتى صدور الحكم فيه ، على أن يتحمل المدعى عليه ( الشركة الباكستانية ) مصاريف التحكيم ، ويتحمل كل طرف نفقات الدفاع الخاص به .ومن هذه القضية ، يتضح أن ترجيح المحكم لتطبيق القانون الباكستانى على موضوع النزاع يدعمه أنه قانون محل إبرام العقد الذى أثار النزاع. فضلاً عن أنه قانون جنسية الموكل فى هذا التعاقد ، كما أن العقد يرد على ترويج سجاد شرقى يتم تصنيعه فى باكستان ، ويشحن من هناك فضلاً عن مشابهته للقانون الإنجليزى الذى هو قانون جنسية المحكم وقانون مكان التحكيم .كما طبق المحكم القانون الإنجليزى على مسألة تقدير الدين الذى يحمل به الشركة لصالح التاجر البلجيكى ، وذلك باعتبار أن قانون مكان التحكيم يسرى على الإجراءات ، التى يتعلق بها تقدير هذا الدين .
4- الحكم الصادر فى قضية أرامكو
فحينما اعترضت شركة أرامكو على تعاقد المملكة السعودية مع أوناسيس لنقل البترول الذى تصدره . بدأت هيئة التحكيم – لتحديد القانون واجب التطبيق فى موضوع النزاع – بالبحث فى اتفاق التحكيم ، الذى يقضى بأن يفصل المحكم فى النزاع وفقاً للقانون السعودى فيما يتعلق بالمسائل التى تدخل فى الاختصاص القانونى للسعودية ، وفيما عدا هذا تقضى وفقاً للقانون الذى تقرر أنه واجب التطبيق .ولقد أثار تفسير اصطلاح الاختصاص القانونى التساؤل حول مدى تعلقه بالإختصاص القضائى أم بالإختصاص التشريعى ، ومن التفسيرات التى أتيجت لهيئة التحكيم اعتبار أن القانون السعودى ينطبق فيما يتعلق بالإختصاص السعودى كدولة أى مسائل القانون العام ، وما عدا ذلك الاختصاص فقد يكون الأطراف يقصدون به مجموع المسائل التعاقدية ( المتعلقة بالقانون الخاص ) .على أى الأحوال فلقد استندت هيئة التحكيم فى تحديدها للقانون واجب التطبيق على الموضوع إلى البحث عن الإرادة للأطراف .وكان لابد من البحث فى أحكام القانون السعودى ليس فقط لأنه لابد من الرجوع لقانون كل دولة لمعرفة مدى تعلق مسألة ما بالقانون العام بها ، بل لأن الأمر يتعلق بحقل بترول يقع فى إقليم الدولة مما يخضع لقانون الموقع . وقد اتضح لهيئة التحكيم أن الشريعة الإسلامية المطبقة فى السعودية تعتبر الاتفاق محل النزاع عقداً ، وفقهاء الشريعة الإسلامية يعتبرون العقود ميثاق يجب الوفاء به ويشهد عليه الله و وفقاً لمبادىء القانون الدولى الخاص يخضع العقد لقانون الارادة الصريحة .وعند تخلفها يطبق القانون الذى يبدو أن الأطراف قد اختاروه . وعلى هذا فسلطة المحكمة فى البحث عن إرادة الأطراف ترد على ما يجوز المسائل الداخلية فى الاختصاص القانونى للدولة السعودية .وقد انتهى الحكم إلى عدم وجود إرادة ضمنية للأطراف فى هذا الشأن وبالتالى فالأمر يتعلق بالإرادة المفترضة .فالمحكمة لم تحدد القانون واجب التطبيق وفقاً لما كان يريده الأطراف أو يفكرون فيه وإنما ما كان يمكن أن يريده الأطراف المتعلقين أو يفكرون فيه ، وذلك بالاستناد لمعيار موضوعى وفقاً لظروف المسألة محل النزاع .وقد أشار الحكم إلى أن العقود التى تبرمها الدولة تخضع – عالمياً -لقانون هذه الدولة ، ما لم يثبت العكس ، وقد أشار الحكم فى ذلك إلى حكم محكمة العدل الدولية الدائمة فى 12 يوليو سنة 1929. وبالرغم من ذلك قرر أنه بالنسبة للمسائل غير المستندة إلى القانون السعودى ، فيتعين البحث عن أكثر الأنظمة القانونية اتفاقاً مع طبيعة العلاقات التى ترتبها على عاتق الأطراف بتطبيق قانون الدولة ذات الصلات بالطبيعة الفعلية الأوثق حتى يتفق القانون واجب التطبيق مع الطبيعة الاقتصادية التىيجب أن يحققها العقد ، وذلك أخذاً بأكثر الاتجاهات تطوراً فى القانون الدولى الخاص وهو ما عبرت هيئة التحكيم عنه بالحلول الغالبة فى القضاء الإنجليزى والسويسرى .
وإنتهت إلى إخضاع المسائل المتعلقة بالقانون العام كقاعدة عامة للقانون السعودى ، وعند الضرورة يكمل هذا القانون بمبادىء القوانين الدولية والعادات المتبعة فى صناعة البترول والمعطيات البحتة لعلم القانون . باعتبار أن هذه العادات وتلك المبادىء تكمل قانوناً وضعياً غير كامل .ومن الممكن الالتجاء إلى مبادىء تفسير المعاهدات وإتباعاً لتفسير عقود القانون الخاص . و انتهت هيئة التحكيم إلى أن عقد إستغلال البترول الممنوح لأرامكو لا يترتب عليه تقييد حرية الحكومة السعودية بشأن وسيلة نقل بترولها إلى الخارج .وبالتالى، فإن عقد السعودية مع أوناسيس لا يمس بحقوق شركة أرامكو. واستندت هيئة التحكيم فى ذلك أيضاً إلى احترام الحقوق المكتسبة باستخلاصها من القضاء الدولى وأحكام محاكم التحكيم الدولية .فإذا كانت هيئة التحكيم قد صرحت بتطبيق القانون الدولى العام بالنسبة لمسائل الإجراءات ، فهى لم تصل لنتيجة مختلفة عن ذلك بالنسبة لموضوع النزاع